responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 83
فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا جَمَعَ الْعُقُوبَاتِ مُتَوَالِيَةً: فَقَالَ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ، قُلْتُ: رُوعِيَ قَضَاءُ حَقِّ جَمْعِ النَّظِيرِ أَوَّلًا، وَجَمْعِ الضِّدَّيْنِ ثَانِيًا، بِجَمْعِ الْقَطْعِ وَالْكَبْتِ، ثُمَّ جَمْعِ التَّوْبَةِ وَالْعَذَابِ، عَلَى نَحْوِ مَا أَجَابَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ عَن نقد من نَقْدِ قَوْلِهِ فِي سَيْفِ الدَّوْلَةِ:
وَقَفْتَ وَمَا فِي الْمَوْتِ شَكٌّ لِوَاقِفٍ ... كَأَنَّكَ فِي جَفْنِ الرَّدَى وَهْوَ نَائِمُ
تَمُرُّ بِكَ الْأَبْطَالُ كَلْمَى حَزِينَةً ... وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ
إِذْ قَدَّمَ مِنْ صِفَتَيْهِ تَشْبِيهَهُ بِكَوْنِهِ فِي جَفْنِ الرَّدَى لِمُنَاسَبَةِ الْمَوْتِ، وَأَخَّرَ الْحَالَ وَهِيَ وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ لِمُضَادَّةِ قَوْلِهِ كَلْمَى حَزِينَةً، فِي قِصَّةٍ مَذْكُورَةٍ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ.
وَاللَّامُ الْجَارَّةُ لَامُ الْمِلْكِ، وَكَافُ الْخِطَابِ لِمُعَيَّنٍ، وَهُوَ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ إِذْ رُكِّبَتْ تَرْكِيبًا وَجِيزًا مَحْذُوفًا مِنْهُ بَعْضُ الْكَلِمَاتِ، وَلَمْ أَظْفَرْ، فِيمَا حَفِظْتُ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ، بِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً عِنْدَ الْعَرَبِ، فَلَعَلَّهَا مِنْ
مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ، وَقَرِيبٌ مِنْهَا قَوْلُهُ: وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [الممتحنة: 4] وَسَيَجِيءُ قَرِيبٌ مِنْهَا فِي قَوْلِهِ الْآتِي: يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ [آل عمرَان: 154] ويَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا [آل عمرَان: 154] فَإِنْ كَانَتْ حِكَايَةُ قَوْلِهِمْ بِلَفْظِهِ، فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَإِنْ كَانَ حِكَايَةً بِالْمَعْنَى فَلَا.
وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ بِالْعُقُوبَةِ أَجْدَرُ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ عَلَيْهِمْ إِنْ وَقَعَتْ فَضْلٌ مِنَ الله تَعَالَى.
[129]

[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 129]
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 83
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست